السبت، 12 نوفمبر 2011

قلوب طاهرة عرفت الحب

قد يعيش المرء عمرا بأكمله لم يعرف فيه الحب، ولم يحظ بالسعادة الغامرة التى يشعر بها كل قلب محب، لكنه قد يشعر بنوع آخر من الحب أسمى وأرقى هو حب الله، مما يشعره بسعادة أقوى وأشد من أى حب آخر وهذا حال بعض الناس من الزهاد والمتصوفين وقليل من الناس الذين يرغبون فى الحياة الآخرة ولا يرغبون بالحياة الدنيا فلم تكن الدنيا أكثر شغلهم وهمهم، وأصبح هدفهم الوحيد فى الدنيا هو حب الله والعمل على رضاه والقرب منه، وعبادته وحده لا يشركون به أحدا .

ويشب هذا الفتى أو الفتاة، منذ نعومة أظفاره مطيعا لوالديه محبا لأهله ومخلصا لله لا يقترب من الحرام ويبتعد عنه ويتقرب إلى الله بالإكثار من الطاعات والذكر ويشعر والديه بأنه ابن مختلف عن بقية الأخوة ومطيعا لهم لا يتعبهم ولا يجهدهم بل يحاول أن يساعدهم هو فى كل شىء، فالهداية من الله وحده، يهدى من يشاء ويضل من يشاء، ونجده أيضا يكثر من قراءة القرآن طاعة لله وتقربا إليه ويتخذ منه منهجا ونورا يمشى به فى حياته وهذا الحب الإلهى لا يعرفه الكثيرون منا.

فهؤلاء يتعلقون بالله تعلقا شديدا فهم لا يرون غير الله أمامهم وحبه يغنيهم عن العالم كله وعن أى حب آخر ويجدون مأربهم فى حبه وسعادتهم فى الإخلاص له والتسبيح له ويتمنون رضاه، ولا يقولون أو يفعلون ما يغضبه ولا يأكلون حراما تبنى به أجسادهم، وهؤلاء هم الصفوة من العباد المحبين والمخلصين لله والصافية نفوسهم فهم عباد الرحمن الذين وصفهم الله فى قرآنه الكريم، {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (63) سورة الفرقان، أى لا يتفاخرون بأنفسهم كما يفعل البعض منا، ويتواضعون فى مشيتهم وإذا أساء لهم الجاهلون قالوا لهم قولا كريما يسلمون به من ألسنتهم، وهم أيضا أولياء الله الذين ذكرهم الله فى حديث قدس روى الإمام البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله قال : ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ----الخ ).

ومن هؤلاء من يتزوج ومنهم من لم يتزوج فقد شغله حب الله عن أى حب آخر، وكان يغض بصره كما أمرنا الله تعالى فى قوله تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (30) سورة النــور، خشية أن يغضب الله عليه واستمر به الحال هكذا من الزهد والورع والتقوى والابتعاد عن الدنيا وملذاتها وشهواتها ولم تكن أكثر همه وشغله ولا يهتم بها لولا أنها من صنع الله ونرى أن من أمثلته القليل، فهو يسعى فيها جاهدا وطالبا للعلم الذى يقربه إلى الله وقد يصل إلى أعلى المراتب من العلم تطبيقا لقوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28) سورة فاطر. ويشغله العلم والدين عن العالم كله إلا الله فهو لا يبتغى سوى رضاه وهو ولى من أوليائه.

ولكنى أقول إن الزواج والحب مثل حب الزوج لزوجته وأولاده وأهله، حق طبيعى ومشروع لنا جميعا قد شرعه الله لنا كى تستمر الحياة ولا تقف ولنا فى ذلك قدوة الرسول الكريم فقد تزوج وعاش حياة طبيعية ولم يمنعه ذلك عن حب الله أو الانشغال عنه، فهو حبيب الله وخاتم الرسل أجمعين، ومن هؤلاء أيضا من إذا تمنى على الله شىء أو دعا الله استجاب له الله فى الحال، وكيف لا يجيبه وهو حبيبه ولا يعصى له أمرا، وإنى أرى أن المتصوفين الحقيقيين والزهاد والأخوان المسلمين والسلفيين يتبعون جميعا دينا واحدا وربا واحد ونبيا واحدا محمد صلى الله عليه وسلم وسوف يصنفون يوم القيامة بأنهم من أتباع( محمد صلى الله عليه وسلم ) وهم الأقرب إلى هؤلاء تقربا إلى الله من كثير من الناس الذين ألهتهم الحياة الدنيا عن ذكر الله وعبادته وإتباع شهواتهم ونزواتهم الغريزية ومعصية الله وإتباع خطوات الشيطان ,وكيف لنا ألانعبد الله وحده و نكون من أولياءه الصالحين الذين قال الله تعالى
"أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) 62 سورة يونس, وأن نرتقى بعقولنا وأفكارنا وأن نكون يدا واحدة خاصة فى مثل هذه الظروف الصعبة التى نمر بها الآن فى وطننا الحبيب وأن نكون فى هذه المكانة العالية التى تقربنا من الله العلى العظيم، وأن ينعم الله علينا بحبه. فأين نحن من هذا الحب العظيم؟

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by - mohamed ibrahem