الخميس، 10 نوفمبر 2011

لم أجده على الخريطة

كعادتى استيقظت من نومى على صوت هاتفى المزعج لأصلى الظهر، ولكن حدث شىء غريب.. فالمنطقة التى نسكن بها منطقة عسكرية وقريبة نوعاً ما من قصر المخلوع، ومن المفترض أن المياه لا تنقطع أبداً فى هذا المكان، لكن هذا لن يعيقنى عن الصلاة.. المهم صليت الظهر والحمد لله، لكن المياه لا تزال منقطعة.. لم أبالى وببرود تام ذهبت إلى اللاب توب لأتابع تويتر حتى تعود المياه.. الشىء الذى زاد من دهشتى أن أمر المياه لم يكن خاصاً بى، ولكن يبدو أنها مشكلة عامة فى جميع أنحاء الجمهورية، حتى الذين لم تصلهم مواسير المياه طوال حياتهم يصرخون مطالبين بحل هذه المشكلة، بالطبع لم يصرخوا على تويتر، لكنى علمت من مصادرى الخاصة.

وبعد فترةٍ وجيزةٍ من التفكير فى سبب هذه المشكلة وجد تغريدات غريبة على الموقع لم أفهمها.. الأولى كانت من وائل غنيم وكان نصها "لم نقم بالثورة من أجل أن يختفى نهر النيل.. العقول الديناصورية التى تتحكم بنا هى السبب الأساسى للمشكلة".. لم تمر على هذه الكلمات مرور الكرام.. وما زاد الطين بلة هى كلمات من شخص كبير بحجم البرادعى يقول فيها "أين اختفى نهر النيل؟.. أوقفوا هذه المهزلة فوراً.. إنه لأمر مشين.. أطالب المجلس العسكرى بفتح تحقيق فورى".. وأخرى من عمرو مصطفى يقول فيها أن الماسونية هى السبب وأن شركة أكوا اليهودية استولت على كل كميات المياه هذه من أجل دعم الشركة، وأضاف أنه يعرف عدوه جيداً.. وقتها أصبت بما يشبه الجنون.. فتحت جوجل مابس فوراً لأرى اختفاء نهر النيل من على الخريطة.. لكن النهر موجود ولم يختفِ.. وقادنى ذكائى لأن أذهب إلى كتاب الجغرافيا لأراه على الخريطه الورقية، ولكنه موجود أيضاً.. إذاً ما الذى يحدث؟.. عدت إلى تويتر مرة أخرى لأجد جملة وافية من أحد الأشخاص يقول فيها إن نهر النيل قد اختفى بالفعل ثم أتبعها بشتيمة سكندرية شهيرة.. ازدادت حيرتى وعدت إلى جوجل مابس مرة أخرى لأرى أن النهر قد اختفى من على الخريطة بالفعل، وبالطبع لم يختفِ من خريطة كتاب الجغرافيا.

تركت تويتر وجوجل وذهبت لأرى الأخبار على المواقع الإخبارية لعلى أجد فيها ما يسرنى، لكنى رأيت أن الكل يولول على اختفاء نهر النيل، وأن مصيبة كبرى قد حلت بنا.. وأن الكارثة قادمة لا محالة.. وقتها قررت أن أغلق الكمبيوتر تماماً وأذهب إلى التليفزيون لأتابع إحدى القنوات الكوميدية لعلها تخفف من هول الموقف قليلاً.. لكن الصدفة البحتة تقودنى لأن أجد فى وجهى إحدى القنوات السلفية وعليها شيخ ذو لحية كبيرة يتحدث عن أن العلمانيين الكفرة هم سبب هذا البلاء، وأن هذا غضب من الله، لأننا لم نتخلص من العلمانيين والليبراليين ونقذف بهم خارج هذا البلد.. ثم أنهى حلقته بقرار أنه سيسافر إلى "كندا" غداً ليتخلص مما حل بنا من غضب الله..!! بكل هدوء أغلقت التلفاز وذهبت إلى مكتبى لأفكر بهدوء.. لعلى أجد حلاً لهذه الكارثة، وكما يقول المثل "يوضع سره فى أضعف خلقه".

بعد ذهابى إلى المكتب، تقلب تفكيرى بين أن أجد حلاً لهذه المشكلة وبين ماذا سأفعل لو لم أوفق فى ذلك.. وهدانى تفكيرى إلى أنه لا توجد فكرة يمكنها أن تعود بنهر النيل إلينا مرة أخرى سوى معجزة إلهية، وبالطبع لن ننتظر هذه المعجزة، فنحن شعب مغضوب عليه، حسب قول الشيخ الذى تابعته منذ قليل.. لكنى فجأة وبسرعة وجدت نفسى أقفز من على الكرسى، مردداً "لقيتها.. هو ده الحل"، وكانت الفكرة عبارة عن كلمة واحدة فقط وهى "التفاؤل".. فهذه مصيبة لا يمكننا تغييرها، لكن يمكننا استخدامها لصالحنا.. فقد تذكرت مقولة تقول أن أى شىء سيئ بإمكاننا تحويله إلى شىء جيد إذا أردنا، والعكس صحيح.. والفكرة باختصار هى أن هذه الكارثة يجب أن نحولها إلى شىء جيد مهما كلفنا الأمر.. ثم جلست لأعدد بعض إيجابيات اختفاء نهر النيل.. وإليكم بعضها:

سنتجه إلى مجال تحلية مياه البحر.
1- أخيراً سيكون للبحار أهمية أعلى من المصايف.
2- ستقل الكثافة السكانية بشكل كبير فى الوادى والدلتا وستتوزع على شواطئ بحار مصر وحول الواحات وعيون المياه فى الصحراء.
3- سنوفر فرص عمل كثيرة للشباب بعملهم فى شركات تحلية المياه المصرية العالمية.
4- ستتكون عندنا ثقافة الترشيد فى استهلاك المياه.
5- ستكون هناك شركات كبرى فى مجال الرى بالتنقيط.
6- سنزرع المحاصيل ذات الفائدة العالية والسعر الأغلى.
7- ستتوقف مشاريع شق الترع الفاشلة.
8- سنعمر سيناء بشكل فورى وكامل، لأنها محاطة بالبحار من كل جهة، وبالتالى سنساهم فى القضاء على خطر إسرائيل بشكل كبير.
9- ربما نكتشف الكثير من المعادن فى الأماكن التى سنذهب لتعميرها.
10- سنوفر فرص عمل كثيرة من أجل البناء والتعمير وستقل نسبة البطالة بشكل ملحوظ.
11- ستصدر شركاتنا العملاقة موظفيها وآلاتها إلى دول الخليج وغيرها من أجل تحلية مياه البحر لهم وبالتالى سيرتفع الدخل القومى بشكل كبير.
12- سوف نسهم فى تحقيق حلم إخواننا فى ليبيا بدلاً عن مشروع زعيمهم الأغبر المسمى "النهر الأعظم" الذى ربما كان يخلط بينه وبين "شارع البحر الأعظم"..!!
13- سيرتاح التلاميذ من رسم تعاريج النهر على الخريطة.
14- سنتخلص من المشاكل الدائمة التى استحدثها النظام البائد مع دول حوض النيل.
15- سيلقب حافظ إبراهيم بـ "شاعر الفقيد" بدلاً من "شاعر النيل"، كنوعٍ من التغيير..
16- سيتكون مزيج من الفلاحين والصعايدة والبدو لتكوين النموذج الأوحد للمصرى الأصيل.
17- لن نعتمد بعد ذلك على أى شىء بشكل أساسى مهماً كان، سوى الله.
18- ستصبح مصر من الدول المتقدمة.
19- سنوفر طريقة أفضل للتخلص من النفايات وربما تحويلها إلى أشياء مفيدة.
20- وأخيراً وليس آخراً سيتبقى فى مصر ذو المعدن الأصيل وسيهاجر منعدم الانتماء، وعلى رأسهم مدعى العلم، ومن يدعون زوراً أنهم شيوخ الأمة وعلماؤها.. وعلماؤنا منهم براء.
21- والأهم من ذلك كله أننا سنصبح متفائلين وعندنا القدرة دائماً على إيجاد حلول للمشاكل وتحويل السىء إلى ممتاز.

وأهم ما فى الموضوع هو أنك أصبحت أكثر قدرةً على الصبر والتحمل، بل على استعداد لتقبل مصيبة بحجم "اختفاء نهر النيل" والدليل هو وصولك لهذا السطر.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by - mohamed ibrahem