الخميس، 10 نوفمبر 2011

الدقائق الأخيرة.. نهاية للكتاب الأخضر

لعلى لا أجد أفضل ما أبدأ به حديثى، لإثبات سخرية القدر من الحمقى ومخربى الأوطان، مما اختتم به معمر القذافى خطابه من طرابلس فبراير الماضى، حين توعد ملاحقة الثوار "وكان قد وصفهم بالجرذان" فى كل مكان، دار دار.. بيت بيت.. زنجة زنجة.. فرد فرد، حتى ثبت لنا العكس، وقتل فى زنجة وهو يشبه الجرذان!
بدون شك، تثبت الثورات أن السيناريو المتوقع للظلمة والطغاة ومخربى الأوطان إما الهروب أو التنحى أو القتل، هذا محض اعتقاد دنيوى.. أما عن الآخرة فالله كفيل بهم، انتهت قصة ملك ملوك أفريقيا كما كان يدعى فى مسقط رأسه ساقطاً على الأرض كما سقط بليبيا من أعلى إلى أسفل.. وطويت آخر صفحة من صفحات الكتاب الأخضر ومصطلحاته التى أطلقها ملطخة بدمائه كما أغرق الكثير من أبناء الوطن.. قاد ليبيا مدمراً للأركان السياسية فى المجتمع، ناهباً للبنية الاقتصادية بعقلة المنحرف وتمسكة بالسلطة، مخرباً للجانب الاجتماعى للأسرة والأم والطفل والمرأة والثقافة والفنون
ظل القذافى يثبت كل شىء عكس الطبيعة مردداً "لكل إنسان حدثان تاريخيان رئيسيان، ميلاده ووفاته، وما عدا ذلك لا يهم"، ونسى أن قيمة الإنسان ما يضيفه فى حياته من مولده إلى مماته، إن أجيالاً بكاملها ولدت ونشأت على أرض الوطن الليبى وهى لا تعرف غير الطاغية وكتابه الأخضر الذى وضعه كدستور للبلاد يجسد فكره المنحرف، ماذا فعل له التراب الليبى والشجر والحجر الذى حكمه منذ 42 عاماً وكم ارتكب من مجاز فى حق الإنسانية.

تبدو الحياة فقط وليست البقاء فى السلطة، هى أغلى ما يتمناه القذافى فى لحظاته الأخيرة.. إنها لحظة تاريخية لا ينساها البشر "نهاية الطغيان والدكتاتورية"، إن طبيعة القذافى العقلية هى التى زجت به إلى هذا الحد، اشتد الهجوم على سرت منذ أيام من قبل الثوار معلنيين السيطرة على سرت، فوجئوا بخروج عدد من السيارات من بينهم سيارات مفخخة، تولى حلف الناتو الضربات الأولى التى أصابت إحدى السيارات والتى خرج منها القذافى، مرتديا لباساً عسكرياً، وفى يده بندقيتان إحداهما ذهبية، والأخرى طويلة، هاجمه الثوار الذين ما إن اقتربوا منه حتى قال لهم إش فى "ماذا هناك" ثم مات بعدها إثر إصابتين فى الرأس والبطن، وفقا للمصدر الطبى الذى عاينه.
وقال آخر إن مرحلة حكم القذافى انتهت داخل سرداب أو ماسورة من أنابيب النهر الصناعى العظيم.. وبعد أن كان يقتل طلب منهم ألا يقتلوه، على أن أبرز ما كان بحوزة القذافى الحجاب أو الرقية، التى كانت معدة لحمايته على ما يبدو أو إبعاد الأعين عنه وعن مخبئة، وهل تمنع هذة الأشياء النيل ممن قتل أبناءهم وخرب وطنهم وانتهك عرضهم.

إن قصة الدقائق الأخيرة، هى لغز يظل: كيف قتل القذافى؟، بعد أن أكدت تقارير تليفزيونية أنه اعتقل وهو على قيد الحياة، بل وكان يمشى على قدميه بمساعد الثوار؛ فهل انتحر؟ بما أنه كان يحمل سلاحاً بيده؟ أم نزف حتى الموت، كما تروج بعض الروايات؟ أم أن الثوار أجهزوا عليه، كما يرجح آخرون؟.

إن قصة الدقائق الأخيرة، هى بداية لقصة مستقبل ليبيا، نستطيع أن نقول إن ليبيا تحررت، كما تحررت تونس ومصر، وأن بداية مرحلة جديدة فى تاريخ ليبيا، مرحلة مليئة بالتحديات والصعوبات فقوى الشر التى تتربص بالمتحررين كثيرة، بعضها ظاهر وبعضها الآخر غير ظاهر، تحملت الشعوب الكثير والكثير من حكامها على مدار سنوات سالفة، وضحت بما هو غال ونفيس، فمن أجل البناء علينا هدم الخلافات وتوحيد الصف ولم الشمل والتكاتف الوطنى الشامل من أجل بناء بلادنا وتحقيق طموحاتنا فى الحرية وبناء نظام ديمقراطى يعبر عن إرادتنا الحرة.

الدقائق الأخيرة فى مشهد قتل القذافى ليس عدلاً.. فالموت ترف لم يستحقة القذافى! نتمنى أن تحدث طفرات تغير من ثقافات الشعوب ويسقط قانون الغابات ونبتعد عن همجية الانتقام خوفا من أن يكون هذا هو الفكر ولغة الحوار، ولكن ماذا كنا نتصور مصير من أفسد وخرب وقتل وذبح واغتصب!

الدقائق الأخيرة لسقوط الأنظمة بهذا الشكل ما هى إلا رسالة تعلو فى سماء الحرية وأن هناك معادلة لا ينبغى تجاهل طرفيها، الحاكم والرعية فى إطار الوطن، فالحاكم الذى يضع مصلحته فوق مصلحة الوطن، ولا يعمل على توفير الأمن والرخاء لشعبه، والذى لا يتورع عن تهديد أمن واستقرار وطنه بالمغامرات غير المسئولة لا بد أن يواجه مصير القذافى، والمخلوع المصرى، والهارب التونسى، وهكذا يصنع الله نهايات الطغاة وينكسهم ليكون آية كما فعل بفرعون، "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون، وما يعتبر إلا أولى الأبصار".
الدقائق الأخيرة لمقتل القذافى رسالة من صحراء ليبيا تثبت أن إرادة الشعوب هى الأقوى والأقدر بالنصر فى كل مكان، وتنقل رسالة على مرأى ومسمع من العالم إلى طغاة اليمن وسوريا.. أليس فيكم رجل رشيد.
وبنهاية الكتاب الأخضر ونهاية القذافى.. على ليبيا الآن أن تطوى صفحة من تاريخها وتعتنق مستقبلًا ديمقراطيًا جديدًا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by - mohamed ibrahem