الخميس، 10 نوفمبر 2011

لتعود المياه لمواسيرها

كان الأسطى مصيلحى منهمكا فى حلاقة شعر الحاج أبو مجاهد ومابين الحين والحين يضرب بالمقص فى الهواء فيسمع له صوت كلحن من الغناء.. جرى أيه يامصلحى ماكنوش شعرتين على الجنبين اللى عامل عليهم الهيصه دى كلها.. أمال لو كان ليا شعر بجد كنت عملت أيه.. ياراجل أنجز أنا رقبتى انخلعت. عليلنا صوت التليفزيون شوية ياحاجة.. كانت نشرة الساعة التاسعة.. بدأت بإذاعة خبر سقوط قتلى وجرحى أمام مبنى التليفزيون.. قفز أبو مجاهد من على الكرسى وخلع الفوطة.. خلاص فكنا من ربطتك الغبرة دى يامصيلحى.. جلسوا جميعا يشاهدون وكأن على رؤوسهم الطير.. لم ينبس أحدهم بكلمة. قطعت أم مجاهد جدار الصمت.. هو جرى أيه..؟؟ رد مصيلحى.. ياحاج المسيحيين زعلانين أن فيه كنيسة كانت بتنبنى فى قرية فى أسوان ناس هدولهم فيها جدارين من أسبوع.. طيب وليه كده..!! لو فيه مشكله الحكومة ليه ماخلصتهاش.. أمال فايدتها أيه.. اللى بيحصل ده حرام..انتهت النشرة وهم غير مصدقين ما رأوا.. أرادت أم مجاهدة أن تغير الموضوع.. فقامت بتغيير القناة.

ظهر رجل دين مسيحى يقف خطيبا فى مجموعة كبيرة من المتظاهرين.. عضلات وجهه منقبضة ويقول بانفعال لن نقف مكتوفى الأيدى لحرق وهدم الكنائس.. قال أبو مجاهد لو ده حصل ماحدش يوافق على كده.. علا الصوت أكثر ومش هنسكت على خطف بناتنا.. وهنا قالت أم مجاهد بنات مين اللى اتخطفت ياحاج..!! وكأنه يرد على نفسه.. مش عارف..!! علا صوته وهو يقول.. دى بلدنا ومش هنرحل.. مش هنرحل.. قال أبو مجاهد ومين قاله يرحل..!! ماعندوش حق..!! وبانفعال شديد قال مش تحمدوا ربنا أننا استقبلناكم فى بلدنا أن ماكنتوش هتقعدوا باحترامكم ارحلوا من بلدنا.. تصاعدت الهتافات بالطول بالعرض أحنا أصحاب الأرض.. اتسعت عيون أبو مجاهد حتى كادت أن تخرج من مقلتيها.. مين دول اللى يرحلوا.. أنا مش فاهم حاجه..!!؟؟

تربع أبو مجاهد فوق الكنبة وهو فى حالة ذهول مما سمع ..!! قال مصيلحى الحلاق.. الكلام ده كتر ياحاج ولازم نحط له نهاية..؟؟ الحل موجود وسهل.. ظهرت على وجهه أبو مجاهد علامات الاهتمام.. ماتقول.. أنت هتنقطنا بالكلام.. حل أيه..؟؟

التيه أن أيه.. تيه أيه وأن أيه..؟؟ أنت بتخرف..!! لأ ياحاج.. ده تحليل سهل ورخيص وتاخد شهادة بنسبك وأصلك وفصلك.. ابن عمى برعى عمله السنة اللى فاتت وطلع أنه من نسل أخناتون ومن ساعتها وأغنية أنا من البلد دى بقت عنده زى الأفيونه.. ليل نهار مشغلها.. خمسين جنيه وتشترى دماغك.. والسرنجات فى الشنطة جاهزة.

فكر أبو مجاهد قليلا ووجده يشمر عن ساعده.. دخلت عليهم أم مجاهد.. أنت هتتبرع بالدم ولا أيه ياحاج.. دم أيه ياحاجه.. قربى يالا وشمرى دراعك.. هو فيه أيه..؟؟ بعدين.. يالا شمرى.. حاضر اللى تشوفه ياحاج..!!
عاد مجاهد كعادته متأخرا من الاجتماع للتحضير للانتخابات.. ولدهشته وجد أبويه مستيقظين عيونهما حمراء يجلسان متواجهين.. صامتين.. خير..!! شكلكم مش عاجبنى..فيه أيه..؟؟

أذن الفجر.. توضأ أبو مجاهد وجلس يقرأ القرآن.. جلست أم مجاهد بجانبه تستمع لتلاوته.. انتهزت فرصة سكوته للحظة.. أنت مش هتنام ياحاج.. ومين هيجيله نوم..!! رد مجاهد هى نتيجة الثانوية ياحاج..؟؟ يابا قوم نام.. نظر إليه بعيون باردة وهو يقول نقطنا بسكاتك وخليك فى اللى أنت فيه أحسن لك.. أغلق مجاهد باب غرفته وهو يبتسم.
قفز من الكنبة عندما سمع صوت الجرس.. فتح الباب.. مد رجل يده بظرفين.. مصيلحى بعتلك دول.. جاءت أم مجاهد وهى تفرك عينيها وأبو مجاهد يفتح الظرف الأول بيد مرتعشة.. وقف مذهولا.. طمنى ياحاج.. بلع ريقه وهو يقول.. طلعت من كوالالمبور.. لامبور..!! ودى فين ياحاج..؟؟ عندما فتح الظرف الثانى و قرأه زاغت نظرة عينيه.. فيه أيه ياحاج..؟؟ خلاص ياحاجه أدخلى نامى وماتشغليش بالك.. لأ.. لازم تعرفنى.. وهو يتحاشى النظر إليها.. طلعتى ياستى من بوركينا فاسو..!! فاسو..!! أيه الكلام ده..؟؟ الصراحة ياحاجة أنا طول عمرى شاكك فيكى.. لأ ماتقولشى كده ياحاج فاسو لأ فاسو لأ.. وانفجرت فى بكاء مرير.

خرج مجاهد مهرولا من غرفته.. فيه أيه تانى..؟؟ مافيش يابنى أمك زعلانة أنها طلعت من بوركينا فاسو.. فاسو أيه ياحاج..!! ماتقول كلام غير ده.. وأنت طلعت على كده منين.. طلعت من كولا لمبور.. نسى مجاهد بكاء أمه وأخذ يصفق بكلتا يديه وهو يقول قشطة ياحاج.. قشطة ياحاج.. أيه يامجاهد أنت انهبلت.. تصدق ياحاج.. شرطة عنيك لفوق دى دايما كنت حاسس أن وراها حاجة.. عموما لو سبوبة الانتخابات دى ماظبطتش نديها كولا لمبور.. وما أن سمعتهما أم مجاهد التى كانت قد هدأت قليلا حتى قالت تسافروا وتسيبونى فى بوركينا فاسو وانفجرت مرة أخرى فى البكاء.

ارتدى أبو مجاهد ملابسه وأخذ الظرف فى يده وهو يقول أنا رايح لعمك عجمى وكيل الأستاذ هديهد يرسينى على فولة الموضوع الأغبر ده.. وهو ينزل على السلالم شاهد جاره وصديقه جرجس وهو يتوارى مسرعا حاملا ظرفا فى يده..

الله هو أنت كمان حللت ياجرجس أفندى.. وعلى كده طلعت منين.. من نيقوسيا قالها وهو يبتعد.. عندما نزل أبو مجاهد إلى الشارع وجد جارهم شحاتة والظرف فى حجر جلبابه وهو يلطم وزوجته بجواره تبكى.. فيه أيه يا شحته..أخذ يردد.. طلعت من الصومال.. طلعت من الصومال.. دحنا بنشحت هنا أمال فى الصومال هنعمل أيه.. هنعمل أيه وواصل اللطم على وجهه.

نظر حوله وجد الحارة بكاملها مجتمعة وكل واحد منهم يحمل ظرفا فى يده.. كانت الأصوات متشابكة.. علا صوت أحدهم فجأة أحنا الظاهر أتنصب علينا يا أخوانا.. جاء آخر يجرى وهو يقول الحقوا.. مصيلحى هرب.. أخذت القرية كلها تجرى ناحية محطة القطار.
شاهدوا القطار منطلقا.. حاولوا اللحاق به دون جدوى..فجأة.. تعالى صوت الأذان وصوت أجراس الكنيسة فى آن واحد.. نظروا للأعلى.. كانت أحجار مئذنة المسجد وبرج الكنيسة تكاد أن تنطق وهى تطل بشموخ على أناس يبدون كدمى صغيرة واقفة فى ذهول تتطلع للأعلى بعيون زجاجية تبدو كمن تنظر إلى سراب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by - mohamed ibrahem