الخميس، 10 نوفمبر 2011

ربما نقص الطغاة اليوم واحداً

"فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ".. صدق الله العظيم. سبحان المعز المذل المتفرد بالكمال والعظمة والجبروت «مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ«.

هذا انتقام الله من كل مستبد وطاغية من الرؤساء العرب الذين ظلموا واستبدوا وتجبروا.. «فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ«.

لقد طويت صفحة القذافى كما طويت من قبلها صفحات كثير من الطغاة الذين مروا على مدار التاريخ لقد طويت صفحة هامة من تاريخ ليبيا بموت الطاغية القذافى، بعد كل هذا لا بد لنا من وقفة قصيرة نقرر بها جملة من المواقف المبدئية، والمشاعر الشخصية، التى تداعت إثر عملية موت القذافى أو قتله.
أنا لم أكن سعيدا بموت القذافى بهذه الصورة ولا يساء الفهم وهذه سمة واضحة فى حوارات هذه الأيام، إن مصدر الحزن ينبع من قراءة استراتيجية وأخلاقية للحدث، إن المحزن وبشدة هى تلك الروح المتشفية التى بدت على بعض الثوار الذين لم يراعوا حرمة مشهد الموت وقداسته بغض النظر عن الميت.. طيبا كان أم شريرا.. خيرا كان أم فاسدا.. عالما أو جاهلا.. طاغيا أم ثائرا .. ولا أعتقد أن هناك إنسانا عاقلا بإمكانه التشكيك بدكتاتورية القذافى لكن يبقى من حقنا كبشر متحضرين أن نعترض على الطريقة التى قتل بها والطريقة المشينة التى تم التعامل بها مع جثته وبشكل لا يمت للإنسانية بصلة فمعاملة الثوار للقذافى لا يختلف كثيرا عن معاملته هو لهم لا بل قد يكون أشد وأقسى من جانب الثوار.

لقد شاهدت الفضائيات وتابعت الأنباء المتضاربة والمتناقضة إلا أنه بالمجمل أصبحت لدينا قناعة كاملة بأن القذافى تم القبض عليه وهو حى يرزق وبكامل صحته، كما قال أحد أعضاء المجلس الانتقالى، ونقل لمكان ما وعذب وضرب وهذا واضح من خلال الدماء التى ملأت وجهه وتمت بعد ذلك تصفيته بطلقة فى الرأس وأخرى فى البطن على يد الـثوار.

لقد أظهرت القنوات الفضائية الإخبارية صور القذافى وهو ممدد على الأرض وأحذية الثوار على رأسه والبعض منهم أخذ ينتزع من جثة القذافى ملابسه ويقلبه يمينا ويسارا وتناسى هؤلاء المتأسلمون بأن للموت حرمة بغض النظر عمن يكون صاحب الجسد أن كان مجرما أو غير ذلك، وهذا يعطينا انطباعا لا يقبل الشك بأن عملية التغيير التى تمت فى ليبيا هى مجرد تغيير بالأشخاص والأسماء، على اعتبار أن أسلوب الانتقام والقتل مازال راسخا فى سيكلوجية الفرد الليبى والعربى أيضا، فنحن اليوم بحاجة لثورة حقيقية تنبع من داخلنا تساهم فى تغيير ثقافتنا المليئة بالعنف الموروث.

الليبيون لا يستحقون أن يحكموا كبديل عن نظام القذافى لأنهم الوجه الثانى من العملة القذافية، والتى تدين بمبدأ العنف وإلغاء سيادة القانون، إذ كان الأجدر بثوار ليبيا أن يحفظوا حياة القذافى ويقدموه لمحاكمة عادلة وشفافة تهىء فيها كل الظروف التى من شانها أن تبين جرائمه وليقتص منه القضاء والقانون، حتى يضربوا مثلا حيا لبداية بناء دولة القانون ودولة المواطنة كما فعلنا مع الرئيس السابق مبارك، لكنهم بهذه الطريقة التى قتلوا فيها القذافى أعلنوا فشلهم ببناء هذه الدولة لا بل عبروا عن همجيتهم واستخفافهم بالقانون وبالإنسان.

إن الدول لا تبنى بالحقد ولا تدار بالضغينة والتشفى فى الجثث وإهانتها والمجتمعات لا تستقيم بالانتقام والثأر والعدالة لا تتحقق بالشماتة فى رجل سجين لا شك أن الموت من أعظم ما يقع بالإنسان من الابتلاء له وعند المصائب يجب الاعتبار والاتعاظ وبعيدا عن الشماتة حيث الشماتة لا تليق بأخلاقنا، والرحمة الإنسانيّة تحمل على الحزن بل والبكاء مهما كانت معاملة الميت، لقد قام النبى ـ صلّى الله عليه وسلم ـ لجنازة، ولما قيل له: إنها ليهودى قال:" أليست نفسا؟" رواه البخارى ومسلم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by - mohamed ibrahem